الكوليرا: كارثة صحية تتفاقم وسط دمار الحرب وكيماوي الجيش والإخوان

يشهد السودان تفشيًا كارثيًا لمرض الكوليرا، أودى بحياة مئات الأشخاص وتسبب في إصابة الآلاف، وذلك في ظل ظروف إنسانية وصحية بالغة التعقيد جرّاء النزاع المسلح المستمر منذ نحو (3) أعوام. وتُعدّ هذه الأزمة الصحية نتيجة مباشرة لانهيار البنية التحتية، وشحّ المياه الصالحة للشرب، وتدمير المرافق الصحية، خاصة في العاصمة الخرطوم والولايات المتأثرة بالحرب.

وتنتشر الكوليرا بشكل واسع في أم درمان وجبل أولياء، وكذلك في ولايتي الجزيرة وسنار ومناطق بشمال كردفان، وقد دعت جهات عديدة إلى إعلان حالة الطوارئ الصحية. وتشير التقارير الأخيرة إلى أنّ وباء الكوليرا حصد أرواح (172) شخصًا في السودان خلال أسبوع واحد، بينما ارتفع عدد الإصابات المسجلة إلى (2700) حالة. وقد سجلت ولاية الخرطوم وحدها حوالي 90% من الإصابات، مع استمرار تسجيل وفيات في ولايات أخرى مثل سنار وشمال كردفان، وفق ما نقلت صحيفة (سودانايل). 

وزارة الصحة السودانية أكدت في تصريح سابق، نشرته وكالة أنباء (سونا) الرسمية، أنّ عدد الوفيات اليومية في الأسابيع الماضية لا يتجاوز (20) حالة، وأنّ معدل الإصابة الأسبوعي بلغ حوالي (600) إصابة. وكشف تقرير لوزارة الصحة بولاية الخرطوم، صدر أول من أمس، عن وجود (800) حالة إصابة بوباء الكوليرا بالمستشفيات العاملة في الولاية. وأكد إعلام الوزارة أنّ (218) حالة تلقت العلاج وغادرت المستشفى.

ونشر نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو توضح تدهور الظروف في مراكز العزل بأم درمان، حيث يضطر العديد من المرضى للنوم على الأرض. وقد وثق متطوعون وفاة (40) طفلًا جرّاء الكوليرا في أم درمان خلال الأيام الماضية، في حين طالب النشطاء بإغلاق المدارس والأسواق بسرعة وتفعيل حالة الطوارئ الصحية.

وفي السياق ذاته قالت لجان مقاومة ود مدني: إنّ ولاية الجزيرة تعاني من نقص حاد في الكوادر الطبية بالمستشفيات في جميع محليات الولاية، بالتزامن مع تفشي مرض الكوليرا وحمى الضنك في أغلب المناطق، وسط شح شديد في الأدوية والمستلزمات الضرورية.

وأضافت مقاومة ود مدني في منشور على صفحتها بمنصة (فيسبوك): في ظل هذا الانهيار الصحي تُمارَس تجاوزات خطيرة داخل أروقة وزارة الصحة بولاية الجزيرة، في غياب كامل لأيّ رقابة من الأجهزة الأمنية، ممّا أفسح المجال لمافيا الدواء التابعة لحكومة بورتسودان والحركة الإسلامية (الإخوان) للتحكم في أسعار العلاج، فبلغت مبالغ خرافية يعجز المواطن عن دفعها، وفق ما نقل موقع (الراكوبة).

نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي ينشرون مقاطع فيديو توضح تدهور الظروف في مراكز العزل بأم درمان، حيث يضطر العديد من المرضى للنوم على الأرض. وأكدت وجود تجاوزات موثقة داخل مستشفى ود مدني التعليمي، وهي معلومة لجميع الجهات الرسمية، ومع ذلك لم تحرك وزارة الصحة أو أيّ من أجهزة الدولة ساكنًا لمحاسبة المتورطين.

وأشارت إلى أنّ العلاجات التي يتم توزيعها مجانًا للمراكز الصحية، تُباع للمواطنين داخل تلك المراكز بأسعار عالية، في استغلال واضح لحاجة الناس وتواطؤ مفضوح مع الفساد. وحمّلت مقاومة ود مدني وزارة الصحة وكلّ من تستر على هذه الجرائم المسؤولية الكاملة، مؤكدة في الوقت ذاته أنّ السكوت على الفساد خيانة.

وفي السياق، أفاد رئيس الوزراء السابق ورئيس التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة “صمود” عبد الله حمدوك، أنّه أجرى اليوم اتصالات مع العديد من الجهات الإقليمية والدولية المعنية بالنشاطات الصحية والإنسانية، وأطلعهم على الأوضاع الصحية المأساوية في السودان.

وأشار حمدوك في منشور له على حسابه في (فيسبوك) إلى أنّه قام بإبلاغ الجهات المعنية حول انتشار الكوليرا وأوبئة أخرى في العاصمة الخرطوم وبعض الولايات، حيث تودي هذه الأوبئة بحياة مئات الأشخاص يوميًا في ظل نظام صحي منهار بالكامل، وفق صحيفة (إدراك).

ودعا جميع الجهات والمنظمات الإنسانية إلى التدخل الفوري لإنقاذ السودانيين، وبذل كل جهد ممكن للتصدي لهذه الكارثة الصحية. هذا، وتتواصل الجهود لمكافحة الوباء في السودان، وقد ناقش رئيس وزراء السودان المعيّن حديثًا كامل الطيب إدريس، مع مدير عام منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، سبل مواجهة تفشي الكوليرا، مؤكدًا توجيه فريق عمل لتقديم المساعدة العاجلة.

وتدعم منظمة “أطباء بلا حدود” (7) وحدات لعلاج الكوليرا في الخرطوم، وتعمل مع وزارة الصحة لتعزيز جهود الاستجابة. كما سلمت اليونيسف (404) آلاف جرعة من لقاح الكوليرا للسودان في أيلول (سبتمبر) 2024، ودعمت إنشاء مراكز لمعالجة الجفاف الفموي وتوزيع أقراص لمعالجة المياه في المنازل. ومع ذلك، ما تزال نقابة أطباء السودان تستبعد القضاء على الكوليرا في ظل استمرار الحرب وانهيار النظام الصحي.

من جهتها، حذّرت منظمة “أطباء بلا حدود” من وجود “آلاف الحالات المشتبه بإصابتها بالكوليرا” في الخرطوم منذ منتصف شهر نيسان (أبريل) الماضي. وقد عزت المنظمة الانتشار السريع للمرض إلى عدة عوامل؛ أبرزها: تدهور البنية التحتية، إذ أدت الحرب إلى تدمير شبكات الكهرباء والمياه في العديد من المناطق، ممّا دفع المواطنين إلى اللجوء لمصادر مياه ملوثة، مثل مياه النيل مباشرة دون معالجة، وانعدام الصرف الصحي، لأنّ تدهور أنظمة الصرف الصحي يزيد من انتشار البكتيريا المسببة للكوليرا.

70% من المستشفيات في مناطق النزاع لا تعمل، ويعاني العاملون في القطاع الصحي من عدم دفع أجورهم لشهور، ممّا قلص القدرة على الاستجابة بفعالية لهذه الأزمة. ومن العوامل أيضًا، وفق المنظمة، النزوح، لأنّ تنقل المواطنين بين المدن والمناطق المختلفة، مثل الصالحة وجبل أولياء وأم درمان، يُسهم في انتشار المرض على نطاق أوسع، هذا إلى جانب انهيار القطاع الصحي، لأنّ  أكثر من 70% من المستشفيات في مناطق النزاع لا تعمل، ويعاني العاملون في القطاع الصحي من عدم دفع أجورهم لشهور، ممّا قلص قدرة السودان على الاستجابة بفعالية لهذه الأزمة. 

من جهتها حذّرت منظمة لجنة الإنقاذ الدولية من أنّ السودان الذي مزقته الحرب بات على شفا كارثة صحية عامة مع تفشي الكوليرا وأمراض قاتلة أخرى. وقالت مديرة منظمة الإنقاذ (اعتزاز يوسف): إنّ الحرب الأهلية، التي تدخل عامها الثالث، “تغذي عودة ظهور الكوليرا”.  وأشارت في بيان لها إلى أنّ تغطية اللقاحات ضد الكوليرا “منخفضة”، وأنّ “الإمدادات الأساسية تتضاءل”. وقد حمّل الكثير من النشطاء الحركة الإسلامية والجيش مسؤولية الأوضاع الصحية المتردية وانتشاء وباء الكوليرا، وبما أنّ جماعة الإخوان في السودان مرتبطة بشكل وثيق بالصراع الجاري، وتُتهم بالتأثير على مساره وعلى إطالته وإفشال المفاوضات لوقف الصراع، فإنّ موقفها من الكوليرا قد يُنظر إليه من زاوية مسؤوليتها عن الظروف التي أدت إلى تفشي الوباء. فإذا كانت الحرب هي السبب الرئيسي لتدهور البنية التحتية والرعاية الصحية، فإنّ أيّ طرف يُسهم في إطالة أمد الحرب يُمكن أن يُحمَّل جزءًا من المسؤولية عن التداعيات الصحية.

وتطرّق الكثير من النشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى التأكيد على عدم مبالاة الجيش والحركة الإسلامية التي تقاتل إلى جانبه بحال السوادنيين الصحية، مستندين إلى تقارير أكدت استخدام الأسلحة الكيماوية ضد مناطق مدنية في البلاد.

ويبقى الوضع في السودان حرجًا، وتتطلب السيطرة على هذا الوباء جهودًا منسقة على نطاق واسع، تتركز على توفير المياه النظيفة والصرف الصحي، وإصلاح النظام الصحي، ووقف النزاع المسلح الذي يفاقم الأزمة الإنسانية والصحية في البلاد.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *